حجب الأهل عنها صور الحياة الجميلة .. وأقفلوا عليها النوافذ والأبواب .. ربوها على القسوة والحرمان من الحنان.. علموها أن الإحساس بالأنوثة عيب.. وان خفقان القلب ضعف..
حتى وصلت لمرحلة المراهقة .. خاف الأهل من فوران جمالها ... فزوجوها من أول عريس طرق الباب ليتخلصوا من عبء مسؤليتها ..
لم يسألوها رأيها..وزفت إليه وسط كلمات باليه مكررة من التهاني المزيفة..
اعتقدت وهي ابنة الخمسة عشر ربيعاً أن هذا الرجل سيفجر عواطفها المكبوته .. ويروي آبار الحرمان الناضبة في اعماقها..
لكنه مازال الأب القاسي .. والأم المتحجرة القلب..
استسلمت لمصيرها ووضعت مخزون عاطفتها في تربية أبنائها.. حتى شق كل منهم طريقه بنجاح..
شعرت فجأة بالفراغ يجتاح حياتها الباردة .. انفجر البركان الخامد كل هذه السنين عن حمم ساخنة من تلهف العواطف..
جاء ذلك بعد بلوغها الأربعين في أخطر مرحلة تمر بها المرأة.. لأنها سن تشعر فيه أنها قد بدأت العد التنازلي لشبابها الذي أخذ يحزم أمتعته ليرحل إلى الأبد من بيت عمرها..
اندفعت بشراهة لتنهل من الحياة قدر ما تستطيع..حتى تعوض الحرمان الذي عاشته في ماضيها..
عرفت معنى الخيانة في هذا العمر الناضج..لكن الرصاصة الأولى تترك دوياً عنيفاً في الأذن .. ثم يتعود المرء على طلقاتها..
وتعودت على وجود آخر في حياتها .. لم تشعر بتأنيب الضمير .. بل أحست وهي في هذه السعادة الوهمية أنه كان الأجدر أن تتذوقها منذ البداية..
ودارت السنون..حتى بلغت الخمسين من العمر .. وهي مازالت تعيش كمراهقة.. كانت تتحاشى الوقوف أمام المرآة حتى لا تتذكر عمرها الحقيقي..
لكن الحقيقة التي غابت عنها أن المرأة متى باعت نفسها بأبخس الأثمان من الصعب أن يصبح لوجودها قيمة..
وأنها وحدها التي ستدفع الثمن يوماً...